قصة الصخرة

قصة الصخرة

زمان ... زمان
قبل بعثة النبي محمد ( عليه الصلاة والسلام ) ..
كان يعيش ثلاثة من الرجال ..
كانوا صالحين ..
وكانوا لفعل الخير محبين
وكانوا لله تعالى مراقبين ومخلصين ، في كل أمر من أمور الدنيا والدين..
كان الرجل الأول يعمل حطابا ً .. فهو فقير ..
وكان الرجل الثاني يمتلك أرضا ً ويزرعها .. فهو مزارع ..
وكان الثالث يمتلك المال والثروة .. فهو ثري ..
كان للحطاب زوجة وأولاد كثيرون ..
وكان له أبٌ وأم .. وكان الاب والام شيخين عجوزين ..
وكان الحطاب يحب أبويه ويحترمهما ويكرمهما ، فلم يفضل زوجته وأولاده عليهما أبدا ً ..
ولم ينهر أبويه يوما ً أو يتأفف منهما برغم بلوغهما سن الشيخوخة .
بل كان يفضلهما على زوجته واولاده..
وكان يرعاهما أكثر من رعايته لزوجته واولاده ..
وكان يحمل لهما طعامهما ،ويقف أمامهما ملبياً طلباتهما حتى يأكلا ويشبعا..
ثم يجلس ليأكل مع زوجته واولاده ..واذا اضطرته ظروف عمله في جمع الحطب والاخشاب الى أن يتأخر عن موعد الطعام ،ووجد والديه نائمين مثلا،فانه كان لا يذوق الطعام،حتى يستيقظ والداه من نومهما ، فيطعمهما أولا ً ثم يأكل هو وزوجته وأولاده ...
وقد حدث مرةً في حياته أنه تأخر في عمله ..
كان متعودا ً أن يعود الى كوخه كل يوم مع غروب الشمس ..
وفي ذلك اليوم الحطب في الصحراء قليلا ً ، فقضى الحطاب الصالح يومه بحثا ً عن الحطب ..
مضى الظهر والعصر والحطاب يبحث عن الحطب ..
وقبل غروب الشمس تمكن الحطاب من العثور على حمل من الحطب .. لكن المسافة بينه وبين كوخه أصبحت بعيدة ، والعودة م الغروب أيضا ً أصبحت مستحيلة ..
تذكر الحطاب أبويه .. قال لنفسه : إن هذا هو موعد تقديم وجبة العشاء لهما ...
حزن الحطاب حزنا ً شديدا ً ، وأسرع الى كوخه .. لم يبعِ الحطاب في ذلك اليوم حمله من الحطب ..
وضع الحطاب حمل الحطب خارج الكوخ ، وأسرع الى عنزته فحلبها .. لكن الوالدين الجوزين كانا نائمين ..
ندم الحطاب على تأخره عن والديه وظل حاملا ً وعاء الحليب ، واقفا ً بجوارهما .. لم يشأ أن يوقظهما من نومهما .. وبرغم أن أولاد الحطاب وزوجته كانوا جائعين ، إلا أن الحطاب الصالح رفض أن يقدم لهم الحليب قبل والديه ، ورفض هو نفسهأن يذوق طعم الحليب ، مضت ساعة .. وساعتان .. ثم ثلاث .. ثم أربع ساعات ..
والحطاب الصالح يحمل وعاء الحليب ، ويقف منتظرا ً أن يستيقظ والده ..
وعند الفجر استيقط الوالدان ..
اعتذر الحطاب لوالديه عن تأخره عنهما برغم إرادته ، وقدم لهما الحليب ، فشربا حتى شبعا .. ثم دعا كل منهما له بدعاء الخير في الدنيا والأخرة ..
شكر الحطاب والديه الشيخين ، وقبل يدى كل منهما .. ثم حمل ما تبقى من الحليب ، وذهب ليطعم أولاده وزوجته .. ثم نام مستريحا ً وهو يشكر الله على رضاه ورضا والديه عليه ..

*****

وكان المزارع رجلا ً تقيا ً ، يعرف حقوق الله ،وحقوق العباد عليه ، فيؤديها ...
لم يأكل حق أحد ...
وكان يستأجر مزارعين يعملون لديه في الأرض ، فكان يعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .. وكان يخرج زكاة زرعه يوم حصاد المحصول .. وقبل ذمك كان يتصدق من ثمرات أرضه على الجائع والمحتاج والمسكين وعابر السبيل ..
وذات يوم استأجر المزارع الصالح أُجراء يعملون لديه في الأرض ..
عمل الأجراء في حرث الأرض ، وبذر البذور ، وسقيها بالماء ... وعند العصر انتهى يوم عملهم .. وقف المزار الطيب على رأس الأرض ، وأخذ ينادي على الأجراء واحداً فواحدا ً ويعد له أجره عن يوم عمله ، قبل أن يذهب الأجراء الى النهر ليغتسلوا ...
كانت عادة هذا الرجل ان يقدم الاجر للمستأجرين قبل ان يغسلوا وجوههم من عرق العمل..
أخذ جميع الاجراء اجورهم كاملة ،فشكروا المزارع الصالح وحمل كل منهم فأسه متجهاً الى داره ..الا مستأجر واحد لم يأخذ اجره..
غادر ذلك المستأجر الحقل دون ان يلحظه المزارع الصالح ..
سأل الزارع الصالح المستأجرين عن زميلهم الذي كان يعمل معهم، فقال له احدهم:
ـ ربما ذهب ليغتسلفي النهر،وسوف يعود ليأخذ اجره بعد قليل..
وقال الآخر:
ـ لا ..بل رأيته يمضي الى القرية .. كان متعجلاً .. ربما يكون تذكر شيئاً، وسوف يعود ليأخذ اجره..
وانصرف جميع المستأجرين ،بينما بقي صاحب الإرض ينتظر عودة الاجير، ليعطيه اجره،لكنه لم يعد..
حل الغروب ، ولم يعد ..
وأظلمت الدنيا ، ولم يعد ...
فكرالمزارع الطيب وقال لنفسه : سأحتفظ بأجره بعيدا ً عن مالي ، وعندما يأتي ليعمل في الصباح ،سأقدم له أجره ،قبل أن يبدأ العمل..
ولكن الأجير الذي لم يأخذ أجره ، لم يأت في الصباح ..
ولا جاء في اليوم الثاني ، أو الثالث أو الرابع ..
فكر المزارع الصالح :
- هذا الأجر أصبح دينا ً علي ، وأمانة عندي ، ويجب علي أن أوديها متى طلبت مني ولو بعد يوم أو سنه أو عشرة سنوات ، وحتى وفاتي ..
ثم تابع تفكيره :
- ليس من الحكمة أو الأمانة أن يبقى هذا الأجر مجمدا ً هكذا .. لا بد أن أنميه لصاحبه ، فإذا طلبه مني في أي وقت قدمت له الأجر وأرباحه كاملة ً ..
وضع المزارع الصالح خطة ً لاستثمار أجر الأجير الذي لم يأخذ أجره ..
اشترى به دجاجة ، وقدمها لزوجته . ثم قال لها :
- هذه الدجاجة أمانة عندك ، أطعميها واسقيها ، واذا وضعت بيضا ً فحافظي عليه ولا تقربيه حتى يفقس ويخرج أفراخا ً .
ونفذت الزوجه وصيه زوجها ... اهتمت بالدجاجة حتى وضعت بيضها .. ثم رقدت عليه ، وفقس البيض فخرجت منه فراخ كثيرة ..
وكبرت الأفراخ ، فباعها المزارع الصالح ، مع الدجاجة واشترى بثمنها عنزة صغيرة ..
وكبرت العنزة فوضعت ثلاثة من الصغار ..
وكبر الصغار فوضعن أيضا ً عنزات كثيرة ..
وبدأت ثروة الأجير تنمو ، وتنمو حتى صارت قطعانا ً من الغنم و البقر و الإبل تملأ المزارع ..
وكانت قد مرت سنوات و سنوات ، كل ذلك والمزارع الصالح يحافظ عليها لحين عودة صاحبها ..
وذات يوم كان المزارع الصالح يرعى أرضه ، ويشرف على ثروة الأجير ، حين لمح رجلا ً فقيرا ً يقترب منه ..
حيا الرجل الفقير المزارع ، فرحب به المزارع ولم يعرفه .. فقال الرجل الفقير :
- أنت طبعا ً لا تذكرني .. دعني أعرفك بنفسي .. أنا الأجير فلان الفلاني .. وقد جئت الآن أطالبك بأجري ، لأنني في حاجة شديدة إليه ..
حمد المزارع الله وشكره ، لأنه أرسل إليه الأجير ليأخذ أمانته .. ثم أشار الى قطعان الإبل والغنم والماشية التي تملأ السهول ، ولا يستطيع إنسان واحد حصرها ، ثم قال للأجير :
- يا أخي .. كل ما ترى أمامك من الإبل و الماشية و الغنم هو من أجرك فخذه ..
فتعجب الأجير ظنا ً من أن المزارع يسخر منه ، وقال :
- يا أخي .. بالله عليك لا تسخر من عبد ٍ فقير ٍ مثلي ، أعطني أجر اليوم الذي عملتــــه عنــدك ، ودعني أذهب لشأنـــي .
فأجلسه المزارع الصالح ، وقص عليه القصة كاملة ، منذ بدأ يستثمر له أجره ، وحتى لحظة حضوره .. ثم قال له :
-الآن فليبارك الله لك في ثروتك .. فلتأخذها كاملة ..ً شكر الأجير المزارع ، فقال له المزارع :
- لم أفعل ذلك لتشكرني ، لقد فعلته إرضاء لوجه الله الكريم .
فأخذ الأجير ثروته كاملة ، وانصرف .

*****

أما الرجل الثالث ، هو الرجل الغني الذي يملك المال والثروة ، فكان هو أيضا ً رجلا ً صالحا ً ...
كان ينفق ماله في سبيل الله ..
وكان يتصدق على الفقراء والمساكين ، البؤساء والمحتاجين..
كان يطعم الجائع ، ويكسو العريان ، وينفق على اليتيم ..
لكن نفسه وسوست له ذات يوم أن يرتكب معصية في حق ابنة عمه ..
كانت ابنة عمه فقيرة ، وجائت تطلب منه مالا ً ، فكاد أن يخطأ في حقها قبل أن يعطيها المال ، لكنه تراجع عن خطئه في آخر لحظة ، وثاب الر رشده ، ابتغاء وجه الله تعالى ..

*****

انطلق هؤلاء الرجال الثلاثة الصالحون في سفر ذات يوم ..
كان كل منهم يركب جواده ..
وكانوا يسيرون في الصحراء ..
وكانت الصحراء شاسعة مترامية الأطراف ، يتيه فيها الغريب الذي لا يعرف مسالكها ..
مضى عليهم النهار وهم في سفرهم هذا ..
ثم مالت الشمس نحو الغروب ، ملقية بأشعتها الحمراء على الجبال ، وتلال الكثبان الرملية ، فصبغت كل شئ بلون وردي يوحي بانقضاء النهار ..
ثم اختفى قرص الشمس خلف التلال والجبال في هجرته اليومية نحو البلاد البعيدة ..
وبدأت خيوط الظلام تنتشر كحراس مسلحين يتسلمون وردية في السماء ، بعد أن أخلت خيوط الشمس المكان ..
وقف الرجال الطيبون الثلاثة حائرين يفكرون ، فقال الحطاب :
ــ كيف نمضي في عتمة الظلام ، والليل في الصحراء غادر جبان ، لا يمنح الأمان والسلام .؟
وقال المزارع : قد نتوه في الصحراء ، أو نتعرض لسطو اللصوص أو خطر الذئاب ..
وقال الثري : أقترح أن نبحث عن مكان نبيت فيه ليلتنا ، فإذا أشرق الصباح ، أكملنا رحلتنا ..
وبدأ الثلاثة الطيبون يبحثون عن مكان آمن يقضون فيه ليلتهم ، حتى وجدوا غارا ً في الجبل ، فقالوا : هذا الغار هو خير مكان نبيت فيه حتى الصباح ..
نزلوا عن خيولهم .. وربط كل واحد منهم حصانه في صخره بالقرب من باب الغار ، وبعد أن وضعوا الطعام للخيول ، أخذوا طعامهم ، ودخلوا إلى الغار ..
أكلوا وشربوا ، ثم حمدوا الله ، وناموا .. وفي الليل انحدرت صخرة من فوق الجبل ، وتدحرجت حتى استقرت عند باب الغار فسدته ..
استيقظ الثلاثة في الصباح ، وحاولوا الخروج من باب الغار لكنهم عجزوا عن ذلك .. فلم تتحرك الصخرة من مكانها من ياردة واحدة ..
وجدوا أنفسهم عاجزين ، فقال المزارع : إننا هالكون في هذا الغار ، دون أن يسمع عنا أحد .
وقال الثري : لقد بذلنا ما في وسعنا ، ولم يبقى شئ نفعله لتحرك الصخرة من مكانها ..
وقال الحطاب : بل بقى أهم شئ .. كيف غاب عنا ذلك ؟
فالتفت إليه كل من الثرى والمزارعون وسألاه في لهفة : ماذا تقصد ؟
فقال الحطاب : هذه الصخرة لن ينجينا منها إلا الله تعالى ، فليتذكر كل واحد منا عملا صالحا ، عمله في حياته ، وقصد به وجه الله تعالى ، وليدع الله به ، ربما فرج الله عنا ما نحن فيه من هم وكرب ..
فرد عليه المزارع : فكرة طيبة .. أرجو أن ينفعنا الله بها ، ويخلصنا من أسرنا ..
وقال الثري : فلتبدأ أنت يا أخي بدعاء الله والأبتهال إليه ..
رفع الحطاب وجهه إلى السماء متوجها إلى الله تعالى في خشوع وضراعة ، وبدأ يتذكر موقفه مع والدته ليلة انتظرهما حاملا وعاء الحليب ، وهما نائمان .. ثم دعا الله ذاكرا ً هذا الموقف في حياته ، وختم دعاءه بقوله :
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ..
ولشدة دهشتهم ، رأى الرجال الثلاثة الصخرة وهي تتحرك منفرجة عن الباب ، وتاركة فتحة ينفذ منها الضوء ..
فحاول أحدهم الخروج من هذه الفتحة ، لكنها كانت ضيقة ولا تكفي لخروجه .
وبدأ الثري يتوجه بالدعاء الى الله ، فتذكر موقفه من ابنة عمه التي جاءت تطلب منه مالا ً ، وكيف هم بمعصية الله معها ، لكنه تراجع خشية من الله ..
ثم ختم دعاءه بقوله :
- اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك . ففرج عنا ما نحن فيه ..
ولم يتم الثري دعاءه ، حتى تحركت الصخرة من مكانها واتسعت فتحة الباب ، لكنها لم تكن كافية لخروج أي واحد منهم ..
وبدأ المزارع يتجه بدعائه يتجه بدعائه الى الله في خشوع ورجاء فتذكر قصة الأجير الذي استثمر له أجره ، ورده إليه أضعافا ً من الإبل والغنم والماشية .. ثم ختم دعاءه بقوله :
- اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، ففرج عنا ما نحن فيه .
*****

لم ينتهِ المزارع من دعائه حتى انفرجت الصخرة تماما ً عن باب الغار ، فخرج الثلاثة مسرعين ، وهم يحمدون الله على نجاتهم ..


انتهت القصــــة

مشكور على الموضوع
الله يعطيك العافيه